مقدمة إلى حاشية ابن عابدين: فهم وتفسير الفقه الإسلامي

تعريف بحاشية ابن عابدين

تُعتبر حاشية ابن عابدين واحدة من المراجع الأساسية في الفقه الحنفي، حيث تمثل موسوعة فقهية مستندة إلى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان -رحمه الله تعالى-. يُعرف هذا الكتاب باسم “حاشية رد المحتار على الدر المختار”، وهو معروف بشكل أوسع بحاشية ابن عابدين.

الكتاب الذي تُعتبر هذه الحاشية تعليقًا عليه هو “الدر المختار”، الذي ألّفه العلامة علاء الدين الحصفكي، والذي كان قد شرح فيه كتاب “تنوير الأبصار” للشيخ شمس الدين التمرتاشي الغزي الحنفي.

تعتبر جميع هذه المؤلفات ضمن إطار الفقه الحنفي. كتاب “تنوير الأبصار” يُشار إليه أيضًا باسم “تنوير الأبصار وجامع البحار”، وقد وصفه المحبي بأنه “متن في الفقه ذو قيمة هائلة وفائدة كبيرة دُقتها في مسائلها بشكل يُؤكد على عظمة محتواها.”

خلال شرحه لكتاب “الدر المختار” الذي يتناول “تنوير الأبصار”، كان المؤلف -رحمه الله- يعتزم شرح “تنوير الأبصار” في كتاب أسماه “خزائن الأسرار وبدائع الأفكار في شرح تنوير الأبصار وجامع البحار”، ولكنه بعد الانتهاء من الجزء الأول، قدَّر أن يكتمل الكتاب في عشرة أجزاء ضخمة.

ثم قرر عدم الاستمرار في هذا المشروع، وبدلاً من ذلك ألَّف شرحه المختصر المعروف بـ “الدر المختار في شرح تنوير الأبصار”، والذي قال عنه ابن عابدين إنه “الأحق أن يُطلب، ويُعتبر المرجع في المذهب، إذ إنه يُمثل الجوهرة الحقيقية في مذهبنا.”

منهج ابن عابدين في حاشيته

اتبّع ابن عابدين -رحمه الله- منهجًا معتدلاً في حاشيته، حيث:

  • تعتمد على استمداد من نصوص وفتاوى متعددة من علماء الحنفية المعروفين والمعتمدين في المذهب.
  • تتميز بالتحرر من التعصب أو ضيق الأفق، بعيدًة عن الإطناب الممل والاستطراد غير المجدي.
  • تقارن بين ما ورد في “الدر المختار” والأصل الذي استند إليه، موضحة مدى التوافق بينهما.
  • تفرز آراء العلماء حول المسألة، وتُضيف إليها، مع تقديم الشرح اللازم عند الحاجة.
  • تُنبه إلى أي نقص في العبارات إذا لاحظت عدم شمولها لمتطلبات المسألة المعنية.

تعريف بابن عابدين

هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين، ويعرف أيضًا بكنية ابن عابدين الحسيني، وأحيانًا يُلقب نفسه بمحمد بن عابدين الماتريدي.

ترجع شهرة هذا الاسم إلى جده الخامس محمد صلاح الدين، الذي اشتهر بالتقوى والصلاح وكثرة العبادة، ويدل اشتقاق اسم “عابدين” على ذلك، مما جعل أسرته تُعرف بهذا الاسم لاحقاً.

وُلِد ابن عابدين في دمشق عام (1198) هجريًا، الذي يوافق سنة (1784) ميلاديًا. نشأ في كنف والده السيد عمر عابدين في بيئة عُرفت بالعلم والصلاح، حيث تميز أجداده بالتقوى وكثرة التعبد، بالإضافة لمزاولتهم التجارة.

طلب العلم من أبرز العلماء في بلده وعصره حتى برع وتمكّن في مجالات التصنيف والتدريس والإفتاء، ليصبح مرجعًا في الفتوى ومنارة للعلماء في العالم الإسلامي.

توفي -رحمه الله- في يوم الأربعاء الحادي والعشرين من ربيع الثاني عام (1252) هجريًا، ودفن في دمشق، وقد كانت جنازته في ذلك الوقت واحدة من أكبر الجنائز التي شهدتها هذه المدينة.