تتمثل الآراء حول مفهوم الاقتباس في أنه يتضمن ذكر المقتبس والتأكيد عليه، بينما يُعتبر التضمين غياب هذا التنبيه، وهذا الرأي يعد الأقل شيوعًا. بعض الباحثين يعتبرون الاقتباس والتضمين مترادفين، في حين يعتقد آخرون أن الاقتباس أوسع من التضمين؛ حيث يُفسر الاقتباس بأنه يتناول القرآن والحديث والشعر، بينما يقتصر التضمين على الشعر فقط. والصحيح أن الاقتباس خاص بالقرآن والحديث، في حين أن التضمين يختص بالشعر.
سنستعرض فيما يلي مفهوم الاقتباس مع بعض الأمثلة التوضيحية.
تعني كلمة “الاقتباس” في اللغة الشعلة الخاصة بالنار. وقد وردت في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: {إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦۤ إِنِّیۤ ءَانَسۡتُ نَارࣰا سَـَٔاتِیكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِیكُم بِشِهَابࣲ قَبَسࣲ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ}. ومن هنا يمكن فهم أن الاقتباس هو أخذ شعلة من النار.
أما على مستوى الاصطلاح، فالاقتباس يعني أن يضم المتحدث في حديثه نصوصًا من القرآن الكريم أو الحديث الشريف على شكل شعري أو نثري، سواء كان ذلك باللفظ أو بالمعنى.
تتضح العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي بشكل جلي، حيث إن الاقتباس اللغوي يعبر عن أخذ شعلة من النار، بينما في الاصطلاح، يُشير إلى الاستناد إلى القرآن والحديث، مما يجعل المقتبس يستفيد من هذا الاقتباس كشعلة تنير له الطريق.
تكتسب أهمية الاقتباس من كونه وسيلة يستخدمها المقتبس للاستشهاد بكلمات الآخرين لتعزيز فكرته أو أسلوبه.
يقول ابن سناء الملك:
رحلوا فلستُ مسائِلاً عن دَارِهمْ
أَنا باخِعٌ نَفْسِي على آثارِهم
ويمكن ملاحظة الاقتباس في الشطر الثاني من البيت الذي اقتبس فيه من قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعࣱ نَّفۡسَكَ عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ یُؤۡمِنُوا۟ بِهَـٰذَا الۡحَدِیثِ أَسَفًا}.
ومن جانب آخر، يقول الخطيب عبد الرحيم بن نباتة: “فيا أيها الغفلة المطرقون، أما أنتم بهذا الحديث مصدقون، ما لكم لا تشفقون {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}”.
معظم كلامه مقتبس من القرآن، مثل قوله “بهذا الحديث” و”ما لكم لا تشفقون”، وذلك يعتبر اقتباسًا بالمعنى، بينما الاقتباس باللفظ يأتي من قوله تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاۤءِ وَالۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقࣱّ مِّثۡلَ مَاۤ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ}.
تشير كلمة “التضمين” في اللغة إلى مفهوم الضمن، وهو عملية إدخال شيء ما في شيء آخر بهدف حفظه وحمايته.
وفي سياق الاصطلاح، يُعرَّف التضمين بأنه إدراج الشاعر بعضًا من شعر غيره في قصيدته دون الإشارة إلى المصدر إن كان مشهورًا، أو مع الإشارة إليه إذا لم يكن مشهورًا.
تظهر العلاقة بين المفهومين اللغوي والاصطلاحي بشكل واضح، حيث إن التضمين في اللغة يعني إدخال شيء في شيء آخر، بينما في الاصطلاح يتمثل في تضمين الشاعر لشعر غيره في قصيدته.
كمثال على التضمين، نشير إلى قول الصاحب ابن عباد:
وَباعَ صَفوَ ودادٍ كنت أَقصره
عَلَيهِ مُجتَهِداً في السِرِّ وَالعَلَن
وَكانَ غالي بِهِ حيناً فَأَرخَصه
يا من رَأى صَفو ودٍ بيع بِالثَمَن
كَأَنَّهُ كانَ مَطوِيّاً عَلى احنٍ
وَلم يَكُن من قَديم الدَهرِ أَنشَدَني
اِن الكِرام اِذا ما أَسهَلوا ذَكَروا
مَن كانَ يَألَفَهُم بِالمَنزِلِ الخشنِ.
حيث يظهر التضمين في البيت الأخير نظرًا لأنه يتضمن بيتًا مشهورًا لأبي تمام.
كما يمكن الإشارة إلى قول الحريري:
على أني سأنشد عند بيعي
أضاعوني وأي فتى أضاعوا.
وهنا الشطر الثاني من البيت يُنسب لأمية بن أبي الصلت أو للعرجي.
أحدث التعليقات