يتميز الغزل العذري والغزل الصريح بفروقات واضحة، حيث يتمحور الأول حول الروحانية، كونه يصف حب الروح للروح واشتياقها لهذا التواصل، مما يعبر عنه الشعراء بأسلوب شاعري راقٍ. بينما الغزل الصريح يميل للطابع المادي، إذ يتناول جماليات المظهر الخارجي للمحبوب، معبرًا عن شوق الجسد للجسد. قد نجد في بعض الأعمال الشعرية مزيجاً من هذين الأسلوبين، حيث يختار بعض الشعراء التركيز على أحدهما طوال مسيرتهم الأدبية، بينما تحقق آخرون توازناً بين الشكلين.
يمثل الغزل العذري أو الغزل العفيف أحد أشكال الشعر التي تبرز عمق المشاعر، حيث يتجنب الشاعر وصف جسد المحبوبة، بل يعبر عن مشاعر الشوق وأثر المحبوبة الروحي والوجداني عليه. يُعرف هذا الاتجاه شعريًا بسبب قبيلة بنو عذرة، التي تميز شعراؤها بهذا النوع من الغزل، ومن ثم انتشر هذا الأنماط لدى شعراء آخرين.
يُعرف أيضاً بالغزل الفاحش، ويبتعد هذا الأسلوب عن الروحية ليكون محوره الصفات الجسدية للمحبوب. يتناول الشعراء بوضوح تفاصيل مثل الطول والوزن ومقاييس الجسد، مما يُعزز الطابع المادي لهذا النوع من الغزل.
تتضمن أبرز السمات لدى شعراء الغزل العذري أنهم يظلّون متعلقين بمحبوبة واحدة طوال حياتهم، ولا يتطرق شعرهم لغيرها. كما يتميز هؤلاء الشعراء بالكفاف والقناعة، وغالباً ما يُعبر شعرهم عن تأثيرات الحياة الإسلامية، حيث ينصحون بالزهد والابتعاد عن ملذَّات الحياة، معتبرين الشعر وسيلة للتعبير عن قيمهم ومشاعرهم.
يمتاز شعر الغزل الصريح بعدد من الخصائص، أهمها:
برز العديد من الشعراء في هذا الاتجاه، وبالرغم من نشأة الغزل العذري في الجزيرة العربية، إلا أنه انتشر في العديد من المناطق لاحقًا، وكان له صدى كبير في العصر الأموي، ومن أبرز شعراء الغزل العذري قيس بن الملوح المعروف بمجنون ليلى، الذي كانت قصائده تدور حول مشاعره تجاه ليلى، كما يتضح في إحدى قصائده:
ما بال قلبك يا مجنون قد خلِعا
في حب من لا ترى في نيلِه طمعاً
الحبُّ والودُّ نيطا بالفؤاد لها
فأصبحا في فؤادي ثابتين معاً
طوبى لمن أنتِ في الدنيا قرينته
لقد نفى الله عنه الهمَّ والجزعا
بل ما قرأت كتاباً منك يبلغني
إلا ترقرَق ماء العين أو لمعا
أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني
حتى إذا قلت هذا صادق نزعا
لا أستطيع نزوعاً من مودَّتها
ويصنع الحبُّ بي فوق الذي صنعا
كم من دنيء لها قد كنت أتبعه
ولو صحا القلب عنها كان لي تبعا
ومن بين الشعراء العذريين يمكن أيضاً أن يُذكر جميلة بثينة وكثير عزة وغيرهم.
انتشر هذا النوع من الغزل بشكل واسع في الحجاز، تحديدًا في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكان من أبرز شعرائه في عصور ازدهاره: عمر بن أبي ربيعة في مكة والأحوص في المدينة المنورة. ومن القصائد المعروفة لعمر بن أبي ربيعة، التي تُظهر أسلوبه القصصي:
لَيتَ هِنداً أَنجَزَتنا ما تَعِد
وَشَفَت أَنفُسَنا مِمّا تَجِد
وَاِستَبَدَّت مَرَّةً واحِدَةً
إنَّما العاجِزُ مَن لا يَستَبِد
زَعَموها سَأَلَت جاراتِها
وَتَعَرَّت ذاتَ يَومٍ تَبتَرِد
أَكَما يَنعَتُني تُبصِرنَني
عَمرَكُنَّ اللَهَ أَم لا يَقتَصِد
فَتَضاحَكنَ وَقَد قُلنَ لَها
حَسَنٌ في كُلِّ عَينٍ مَن تَوَد
حَسَدٌ حُمِّلنَهُ مِن أَجلِها
وَقَديماً كانَ في الناسِ الحَسَد
غادَةٌ تَفتَرُّ عَن أَشنَبِها
حينَ تَجلوهُ أَقاحٍ أَو بَرَد
وَلَها عَينانِ في طَرفَيهِما
حَوَرٌ مِنها وَفي الجيدِ غَيَد
طَفلَةٌ بارِدَةُ القَيظِ إِذا
مَعمَعانُ الصَيفِ أَضحى يَتَّقِد
سُخنَةُ المَشتى لِحافٌ لِلْفَتى
تَحتَ لَيلٍ حينَ يَغشاهُ الصَرَد
وَلَقَد أَذكُرُ إِذ قُلتَ لَها
وَدُموعي فَوقَ خَدّي تَطَّرِد
قُلتُ مَن أَنتِ فَقالَت أَنا مَن
شَفَّهُ الوَجدُ وَأَبلاهُ الكَمَد
نَحنُ أَهلُ الخَيفِ مِن أَهلِ مِنىً
ما لِمَقتولٍ قَتَلناهُ قَوَد
قُلتُ أَهلاً أَنتُمُ بُغيَتُنا
فَتَسَمَّينَ فَقالَت أَنا هِند
إِنَّما خُبِّلَ قَلبي فَاِجتَوى
صَعدَةً في سابِرِيٍّ تَطَّرِد
إِنَّما أَهلُكِ جيرانٌ لَنا
إِنَّما نَحنُ وَهُم شَيءٌ أَحَد
حَدَّثوني أَنَّها لي نَفَثَت
عُقَداً يا حَبَّذا تِلكَ العُقَد
كُلَّما قُلتُ مَتى ميعادُنا
ضَحِكَت هِندٌ وَقالَت بَعدَ غَد
أحدث التعليقات