العوامل التي تؤثر في شخصية الشاعر ابن الرومي

الوضع السياسي

عاش ابن الرومي في زمن عصيب من تاريخ الدولة العباسية، حيث شهد القرن الثالث الميلادي تراجعًا كبيرًا في الخلافة العباسية نتيجة الصراعات القاسية بين مختلف مكونات الجيش.

بينما كانت البلاد تعيش في أجواء الفتنة، قام ابن الرومي بتوثيق العديد من هذه الأحداث في قصائده، مما أظهر لديه روحًا من المعارضة. ومع وصول الخليفة المعتضد، نظم ابن الرومي العديد من القصائد في مدحه، لكنه لم يكن له روابط مباشرة مع الخلفاء العباسيين، بل تواصل مع بعض الرؤساء والوزراء. تتسم مواقفه السياسية بالتناقض نتيجة لمجموعة من الأسباب الموضوعية والذاتية.

الوضع الاجتماعي والثقافي

تألفت الفترة التي عاش فيها ابن الرومي من مزيج من العرب والفرس والأتراك والروم والزنج وغيرهم، حيث كان المجتمع العباسي ينقسم إلى أربع طبقات رئيسية:

  • الطبقة العليا

تتضمن الخلفاء والوزراء والقيادات العسكرية والولاة والأمراء وكبار رجال الدولة ورؤساء التجار وأصحاب الإقطاعات.

  • الطبقة الوسطى

تشمل أفراد الجيش وموظفي الدواوين.

  • الطبقة الدنيا

تشمل ما تبقى من السكان.

  • طبقة أهل الذمة

على الصعيد الثقافي، تطور فن الكتابة بشكل ملحوظ، مما جعله ينافس الشعر، كما أثر دخول صناعة الورق في ازدهار حركة التأليف وتأسيس المكتبات. وقد تأثرت الثقافة العباسية آنذاك بالثقافات الفارسية واليونانية. تأثر ابن الرومي بهذه التنوعات الاجتماعية والثقافية، حيث كان القرآن الكريم أهم مصدر استمد منه وبعض التأثير في شعره.

كما استفاد ابن الرومي من الفلسفة، إذ اطلع على عدة مدارس فلسفية مثل الفلسفة اليونانية والهندية، مما أدخل العديد من المفردات الفلسفية في لغته الشعرية. تطرق أيضاً إلى العديد من العقائد الفكرية، إلى جانب إغناء شعره بالإشارات والأسماء التاريخية سواء كانت عربية أو أعجمية.

أصله ونشأته

هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريح الرومي، وُلد في بغداد وكان مولى لعبد الله بن عيسى بن جعفر بن المنصور، الابن الثاني لجعفر بن المنصور الذي لم يتقلد الملك أو ولاية العهد. كان ابن الرومي يعتز بأصله الرومي، ويعبر عن فخره به في كثير من قصائده.

أمّا والدته، فكانت من أصول فارسية، وأنجبت ابن الرومي وأخًا أكبر منه يدعى محمد وكنيته أبو جعفر. وعندما توفي، لم يتبقَ له أحد يعتمد عليه من عائلته باستثناء بعض مواليه الهاشميين العباسيين الذين كانوا يتعاملون معه تارة ويديرون ظهورهم له تارة أخرى.

أنجب ابن الرومي ثلاثة أبناء هم: هبة الله ومحمد وآخر لم يذكر اسمه في شعره. وللأسف، توفي أبناؤه وهم أطفال، وقد رثاهم بعبارات مؤثرة. وبعد موتهم، فقدت زوجته وهي في شبابها، مما زاد من معاناته. وقد امتنع ابن الرومي عن الزواج لفترة طويلة عقب وفاة زوجته، ولم يتزوج مرة أخرى إلا في مراحل متأخرة من عمره، دون أن يُنجب من زواجه الأخير.

الجانب النفسي في شخصية ابن الرومي

تُظهر الملامح النفسية لابن الرومي كراهيته لجسده ومظهره الخارجي، حيث كان يسخر من نفسه في العديد من قصائده. كان بملامح صغيرة وأبيض الوجه مع بعض الشحوب، إضافة إلى نحافته وطوله. كما كان يعاني من الصلع، وظهور الشيب منذ صغره، وقد أدركته الشيخوخة مبكرًا مما أثر على صحته وبصره وسمعه.

كما كان يُعبر عن استيائه من صلعه وكثافة لحيته، حيث كان يشعر بأن الصلع يدل على فقدان الشباب، بينما كثافة اللحية تعكس نقص الرجولة، مما دفعه للدفاع عن رجولته في شعره. بالإضافة لذلك، كان ابن الرومي محبًا للطعام بشغف.

يُذكر أن من عاصره كانو يرونه شديد القلق والتحسس، سريع التغير والانفعال، مما جعله يعاني من ضيق الصدر ونقص الصبر. كما كانت لديه نظرة سوداوية تجاه الحياة. ربما كان ذلك ناتجًا عن جفاء الدولة له، ورهافة حسه، والانحلال الاجتماعي والانهيار الاقتصادي الذي كانت تعاني منه البلاد، فضلًا عن فقره الشديد وفقدانه للأبناء.

Published
Categorized as جواهر الأدب العربي