يمتد عصر العباسيين الأوائل من سنة 750م إلى 847م، أي من 132هـ إلى 232هـ. ويعرف هذا العصر بالعصر الذهبي نتيجة للازدهار الذي شهدته الدولة الإسلامية في مجالات متعددة، نذكر منها ما يلي:
تميز المجتمع العباسي بتنوعه الكبير، حيث تجمع فيه العرب والفرس وأهل الكتاب من النصارى واليهود، وقد ساد التسامح الديني خلال هذه الفترة. كان للأديرة مكانة بارزة في بغداد، من أبرزها دير العذارى الذي يقع على نهر الدجاج، ودير درمايس المعروف بكثافة بساتينه، بالإضافة إلى دير الروم شرق بغداد، والذي كان يُنسب إليه اقتراح بناء المدينة من قبل أحد رهبانه إلى الخليفة أبي جعفر المنصور، وكان مخصصًا للنسطوريين.
حظي المجتمع العباسي بفرصة ممارسة شعائره الدينية بحرية، مما يدل على وسع تفكير الخلفاء العباسيين وحرصهم على التسامح مع الأديان الأخرى. كما كانت مجالس الغناء والموسيقى تحظى بشعبية كبيرة خلال هذه الحقبة، حيث اتبعت أسلوب التنظيم الفارسي. وقد ذكر الجاحظ في كتابه “التاج في أخلاق الملوك” أن هذه المجالس كانت في عهد “أردشير بن بابك” بدايةً لتنظيم مجالس الندماء.
أبدع العباسيون في تنوع أصناف الطعام، وكان أحد أفضل الأمثلة على ذلك هو مائدة طعام الرشيد، حيث قيل إن الطهاة في قصره كانوا يحضرون ثلاثين نوعًا مختلفًا يوميًا. وقد بلغت تكلفة طعام الرشيد اليومية عشرة آلاف درهم، بينما كان المأمون ينفق ستة آلاف دينار في اليوم على مطابخه.
تأثرت الأنظمة العباسية تأثرًا بالغًا بالنظم الساسانية، حتى بدا أنها تطبقها بشكل صارم. ركز الخلفاء العباسيون على تأكيد شرعية حكمهم كحق إلهي، حيث لم يكن هناك احتكاك مباشر بينهم وبين الشعب، بل تم استخدام الحجّاب أو رؤساء التشريفات كوسيلة للتواصل، مما جعلهم يختلفون تمامًا عن عصر الأمويين الذي شهد تواصلًا مباشرًا بين الحكام ومرؤوسيهم.
كان أغلب الحجّاب من غير العرب، مما ساهم في تكريس نظام حكم استبدادي بعيد عن مشاعر الرعية. كما أسس العباسيون نظام الدواوين، حيث احتوت كل ولاية على ديوان للخراج يديره موظف كبير، ويُرسل ما يتبقى من الأموال إلى بغداد، حيث كان لكل ولاية ديوان مخصص.
كما اعتمدوا نظام الوزارة، وهو منصب تاريخي يعود إلى الدولة الساسانية، وكان للوزير دور رئيسي في إدارة الدولة وتعيين الموظفين. ومن أبرز الوزراء في تلك المرحلة كان أبو سلمة الخلال، الذي يمثل ظل السلطة الفرسية في الحكومة العباسية.
ساهم الاتصال الثقافي الغني في العصر العباسي في ازدهار الحركة العلمية والأدبية. ازدهرت الترجمة خلال فترة الرشيد والبرامكة، حيث تم إنشاء دار الحكمة التي كانت مركزًا للمعرفة والحكمة، واستقطبت عددًا كبيرًا من المترجمين وتلقّت كتبًا من بلاد الروم. وكان يوحنا بن ماسويه، طبيب نساطوري من مدرسة جنديسابور، أحد الأفراد المسؤولين عن هذه الجهود.
دور البرامكة كان حاسمًا في تعزيز حركة الترجمة، حيث عملوا على نقل المعارف من الثقافات الرومية واليونانية والفارسية والهندية إلى العربية.
شهد العصر العباسي ثلاثة أجيال من علماء البصرة والكوفة الذين اهتموا بدراسة اللغة والشعر. من الجيل الأول كان أبو عمرو بن العلاء، أحد القراء السبعة الذين أُخذت عنهم قراءات القرآن الكريم. وقد وصفه الجاحظ بأنه كان الأكثر معرفة باللغة العربية والشعر وتعريف الناس بأيامهم.
أما من الجيل الثاني فكلفه خلف الأحمر والأصمعي بالكتابة في دواوين كثيرة، ومن الجيل الثالث برز محمد بن سلام الجمحي الذي ألف الكتاب المعروف “طبقات فحول الشعراء الجاهليين والإسلاميين”، والذي يمثل محاولته الهامة في تصنيف الشعر العربي القديم والتعرف على الشعراء وفقًا لمهاراتهم الفنية.
أحدث التعليقات