العدالة والرحمة في الثقافة العربية الإسلامية

العدالة والرحمة في الحضارة الإسلامية

لقد قدمت الحضارة العربية الإسلامية عبر عصورها المختلفة نماذج مشرفة في تعزيز قيم العدالة والرحمة بين أفراد المجتمع. فهذه الحضارة العظيمة استقت قيمها ومبادئها من تعاليم الدين الإسلامي السامية، التي أصبحت مرجعاً أساسياً في جميع جوانب الحياة الروحية والفكرية والأدبية والمادية.

تجليات العدالة في الحضارة الإسلامية

تتميز الحضارة العربية الإسلامية بخصوصيات فريدة، حيث ارتكزت على قيم العدالة والمساواة بين الناس، إذ لا يُفضل عربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود، ولا غني على فقير. وقد جاءت هذه الحضارة لتحقيق مفهوم الرحمة بين البشر، ومن أبرز تجليات العدالة والرحمة فيها:

تأكيد النبي على تحقيق العدالة

في تنفيذ الحدود والعقوبات بين الناس، فعندما جاءه رجل يطلب الشفاعة من أجل شخص يُعاقب على حدود الله، قال النبي: “والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها”. ومن ثم أمر بقطع يد السارقة.

قصص تعكس معاني العدالة

تجلى ذلك في المجتمع العربي الإسلامي حين وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أمام القاضي شريح في قضية تتعلق بسرقة درعه من قبل يهودي. لعدم وجود شهادة تثبت دعوى علي، سوى شهادة ابنه الحسن، أخبره شريح أن شهادة الابن لا تُقبل لصالح الأب. ثم حكم القاضي لصالح اليهودي، مما جعل هذا الأخير يعلن إسلامه بعد رؤيته للعدالة في الإسلام. كما تروي كتب التاريخ كيف اقتص عمر الفاروق -رضي الله عنه- من ابن والي مصر عمرو بن العاص، عندما اعتدى على رجل قبطي لأنه فاز عليه في سباق الخيل.

تجليات الرحمة في الحضارة الإسلامية

الإسلام هو دين الرحمة، وقد وُصف نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه نبي الرحمة، حيث قال تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”. ومن أبرز ملامح الرحمة في الحضارة الإسلامية:

تأكيد النبي على أهمية التراحم

بين المسلمين وبعضهم البعض، وأهمية هذا الأمر في العديد من الأحاديث، بالإضافة إلى التأكيد على الرحمة بالحيوانات والرفق بها، وعدم تحميلها ما لا تطيق. ورد عن يعلى بن مرة الثقفي أنه قال: “كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، إذ جاء جمل يركض حتى ضرب بجنبيه، ثم ذرفت عيناه، فقال رسول الله: ويحك، انظر لمن هذا الجمل؟ إنه له شأن. فتوجهت للبحث عن صاحبه، فوجدته لرجل من الأنصار. وعندما سألته عن الجمل، قال: ما شأنه؟ فأخبرته بأن الجمل قد تعب، فتحدث رسول الله مع صاحب الجمل، وتعهد بألا يُنحر الجمل ويقوم بمساعدته”.

الضوابط الشرعية في أوقات الحرب

ومن هذه الضوابط، منع قتل الأطفال والنساء والشيوخ، بهدف حماية الأبرياء، والحرص على عدم قطع النخيل، وتجنب الاعتداء على غير المقاتلين، والرهبان وأصحاب الأعذار، بالإضافة إلى تجنب التمثيل بالقتلى أو الإضرار بالحيوانات بدون داعٍ.

قصص تسلط الضوء على معاني الرحمة

توجد العديد من القصص، أحدها ما يُروى عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما مر بشيخ يهودي يستجدي الناس، فعبر عن أسفه قائلاً: “ما أنصفناك، أخذنا منك الجزية عندما كنت شاباً، ثم أهملناك اليوم”. لذلك، فرض له مبلغًا من بيت المال يكفيه، بالإضافة إلى منح العطاءات لأهل الذمة في سن الكبر والشيخوخة.