الدولة السلجوقية: نشأتها وتطورها وأثرها في التاريخ الإسلامي

الدولة السلجوقية

تأسست الدولة السلجوقية على يد العائلة العسكرية الحاكمة لقبائل الغز التركية، حيث يُنسب السلاجقة إلى جدهم دقاق بزعامة “السلجوق بن دقاق”. بدأت هذه الدولة غزواتها في الجنوب الغربي لآسيا خلال القرن الحادي عشر الميلادي (القرن الخامس الهجري) حتى نجحت في تأسيس إمبراطورية كبيرة شملت أراضي بلاد ما بين النهرين وسوريا وفلسطين ومعظم أراضي إيران. وقد قام القائدان ألب أرسلان وملكشاه بتوسيع الإمبراطورية لتصل إلى حدود مصر. تعود أصول السلاجقة إلى قبيلة “قنق” التركمانية، والتي تعد جزءًا من قبائل “الغز” التي تتكون من 23 قبيلة، وكانوا يعيشون في منطقة تركستان التي تمتد من هضبة منغوليا ومنطقة شمال الصين شرقًا إلى بحر قزوين غربًا ومن سهول سيبيريا شمالًا إلى شبه القارة الهندية وفارس جنوبًا، وقد أصبحوا معروفين بعد ذلك بالأتراك. وعندما اعتنقت الدولة السلجوقية الإسلام، حرصت على إنشاء المدارس الإسلامية والعديد من المساجد مثل جامع أصفهان الكبير، كما تبنت اللغة الفارسية التي حلت محل اللغة العربية في كثير من المجالات.

أهم معارك وفتوحات السلاجقة

موقعة ملاذكرد

وقعت معركة ملاذكرد في عام 1071 ميلادي (462 هـ) بين السلاجقة والبيزنطيين، حيث استولت الدولة السلجوقية على أراضٍ من الحدود الشرقية للدولة البيزنطية. دفع ذلك البيزنطيين إلى إرسال حملة بقيادة رومانوس لاستعادة هذه الأراضي، حيث تراوحت أعداد جيشهم بين 40,000 و70,000 جندي. تجمعوا خارج القسطنطينية وتوجهوا إلى حلب. لكن قائدًا منافسًا لرومانوس يُدعى دوكاس أخذ جزءًا من الجيش واتجه شرقًا نحو نهر الفرات. تبع رومانوس دوكاس حتى وصل إلى منطقة ملاذكرد، وعندما سمع ملك السلاجقة أرسلان عن هجوم الجيش البيزنطيّ على حلب، أعدّ جيشًا لملاقاته. ولكن عند علمه بتغيير الوجهة، انتقل شمالًا على الرغم من قلة عدد جنوده. استطاع الوصول إلى أرمينيا وأخذ يرسل قواته للقتال ضد البيزنطيين، حيث دارت معركة أسفرت عن خيبة أمل الجيش البيزنطي.

بعد هزيمة الجيش البيزنطي، أرسل أرسلان عرض سلام رفضه البيزنطيون، إذ تمكن الجيش البيزنطي من ترتيب صفوفه وعزم على الهجوم مرة أخرى. لكن جيش السلاجقة هاجمهم بالسهام من تل قريب، مما جعل رومانوس يأمر بانسحاب الجيش إلى معسكرهم. لكن الجناح الأيمن لم يمتثل للأوامر مما أدى إلى ثغرات في صفوفهم. خيانة دوكاس لرومانوس بسحب القوات الاحتياطية سمحت لأرسلان بشن هجمات مكثفة على الأجنحة البيزنطية مما أدى إلى هزيمتهم وأسر قائدهم رومانوس. في هذه المعركة، فقد الجيش البيزنطي 8000 مقاتل، واستولى السلاجقة على أنطاكيا وأوديسا وهيروبوليس وملاذكرد، ودفعت لهم البيزنطيون 1.5 مليون قطعة ذهبية و360,000 قطعة ذهبية سنويًا كفدية لرومانوس الذي سمح له السلاجقة بالعودة إلى القسطنطينية فيما بعد.

الحروب الصليبية

كان للسلاجقة دور بارز في مقاومة الحروب الصليبية، ومن أهم المواجهات التي حدثت في تلك الفترة:

  • معركة حماية أنطاكيا: قصد الصليبيون أنطاكيا للسيطرة عليها، وعلم بذلك كربوغا أمير الموصل فجهز جيشًا لمنع سقوط المدينة. إلا أنه مر بمملكة الرها وحاصرها لثلاثة أسابيع، مما أدى إلى حصار أنطاكيا من قبل الصليبيين. وعند سماعه أن كربوغا سيتجه نحو أنطاكيا، أسرع لتحرير أسراره وأقام في مرج دابق وضمه إلي جيش المواجهة، وعندما وصل إلى أنطاكيا المحاصرة، أوقع بالصليبيين مما جعلهم يشعرون بالضعف. لكنهم طلبوا الأمان ولم يقبل كربوغا، فتصاعدت المعركة مما أسفر عن نتائج لم تكن في صالح المسلمين، ما أدى إلى دفعهم للاهتمام بمواجهة الحملات الصليبية وتحطيم هيبتها.
  • معركة البليخ أو حران: توجه جيش مكون من 10 آلاف فارس من العرب والأتراك والأكراد نحو مملكة الرها، واستجابت الحامية البيزنطية لذلك، وحين وصولهم الى حران، التقى الجيش المسلم مع البيزنطيين عند نهر البليخ مما أسفر عن هزيمة الجيش البيزنطي.
  • معركة مرسيفان: تجمعت قوات الصليبيين للهجوم على بيت المقدس وعاثوا خرابا في المناطق، وعند وصولهم إلى كنغري، قاتلهم الأتراك مما منعهم من السيطرة على المدينة وانسحبوا منهكين.
  • معركة هرقلة الأولى: وقعت في منطقة هرقلة عندما واجهت قوات فرنسية منهكة من معارك سابقة ضد السلاجقة، مما أدى إلى هزيمتهم.
  • معركة هرقلة الثانية: توجه نحو 60 ألف مقاتل من الفرنسيين والألمان إلى قونية وجدوا المدينة خالية، ثم انتقلوا إلى هرقلة، حيث نصب الجيش السلجوقي كمينًا لهم وهجم عليهم مفاجئًا مما أدى إلى هزيمتهم.

أقسام الدولة السلجوقية

بعد ضعف الدولة السلجوقية، انقسمت إلى عدة فِرَق توزعت في مناطق مختلفة، وهي:

  • السلاجقة العظام: وكان أبرز قادتهم طغرل بك، وألب أرسلان، وملكشاه، في حين كان هناك قادة تسببوا في اندلاع الحروب مثل ركن الدين أبو المظفر بركياروق، وغياث الدين أبو شجاع محمد، ومعز الدين سنجر أحمد.
  • سلاجقة الشام: سيطر سلاجقة الشام على مناطق من الجزيرة والشام بعد انتزاعها من الفاطميين والروم، وامتد نفوذهم حتى عام 1117م (511 هـ) عند ظهور أتابكة الشام والجزيرة.
  • سلاجقة كرمان: وهم السلاجقة الذين سيطروا على منطقة جنوب فارس وبعض مناطق الوسط، حيث امتد نفوذهم منذ عام 1042م (433 هـ) حتى قُضي عليهم من قبل التركمان في عام 1187م (583 هـ).
  • سلاجقة العراق: هم الذين سيطروا على العراق والري وهمذان وكردستان، وقد امتد نفوذهم منذ عام 1117م (511 هـ) حتى تم الإطاحة بهم من قبل الخوارزميين في عام 1194م (590 هـ).
  • سلاجقة الروم: استولوا على بعض مناطق آسيا الصغرى التي كانت تحت سيطرة الروم، وانتهى حكمهم عندما غزاهم الأتراك العثمانيون عام 1301م (700 هـ).

نهاية الدولة السلجوقية

في عام 1230م (427 هـ) نشبت حرب ضد سلالة خوارزم شاه في إيران بقيادة السلطان علاء الدين كيقباد، مما أدى إلى تفكك السلطة السلجوقية. وعند غزو المغول للحدود الشرقية لتركيا، حاول السلجوقيون صد هجماتهم، إلا أن معركة كوسه داغ التي وقعت في 1243م (642 هـ) انتهت بهزيمتهم وفقدانهم السيطرة على البلاد، واستمرت الدولة السلجوقية كجزء من الدولة المغولية، لكن استمرت في الانكماش حتى انقرضت في القرن الرابع عشر الميلادي (القرن الثامن الهجري). من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ضعف الدولة، كانت:

  • الصراعات الداخلية بين أمراء الدولة وتحريض بعض الوزراء.
  • عجز الدولة السلجوقية عن توحيد بلاد الشام ومصر والعراق تحت لواء الدولة العباسية.
  • الصدامات العسكرية الداخلية التي أدت إلى انهيار السلطة في العراق.
  • الغزو الصليبي المستمر على المناطق التي كانت تحت سيطرة السلاجقة.
Published
Categorized as تاريخ وجغرافيا