التفريق بين المنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي
تتجلى الفروق بين المنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي كما يلي:
الاختلاف من حيث المفهوم
يعبر المنهج التاريخي عن دراسة الأدب من خلال سياقه التاريخي، إذ يتناول الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية التي أحاطت بالعصر الذي نشأ فيه العمل الأدبي، مع التركيز على استنباط خصائصه وكشف أسراره وغموضه.
بينما يركز المنهج الاجتماعي على تحليل العمل الأدبي من خلال ربطه بالمجتمع وبيئته الاجتماعية، مستكشفًا العلاقة بين النص والعوامل الاجتماعية والظواهر ذات الصلة.
الاختلاف من حيث الأساسيات
ينطلق المنهج التاريخي من مجموعة من العناصر والقواعد، منها:
- يميل المنهج التاريخي إلى عدم الاعتداد بالإحساس الشخصي ويعتمد بدلاً من ذلك على قواعد وقوانين ثابتة تسهم في جعل الأدب علميًا، بعيدًا عن التجربة الفردية.
- يعتبر المنهج التاريخي الأدب حدثًا قابلًا للدراسة، حيث يتم البحث عن أسباب ودوافع هذه الأحداث وفق استراتيجيات واضحة ومحددة.
- يتمحور تركيز المنهج التاريخي حول اكتشاف الحقائق من خلال مراجعة النصوص والأعمال والسير والتراجم التي تعد مفاتيح لفهم شخصية الكاتب ومشاعره وصفاته.
أما المنهج الاجتماعي، فيعتمد على عدة قواعد أساسية، أبرزها:
- يعتبر المنهج الاجتماعي الحياة تعبيرًا عن واقع اجتماعي.
- يعتبر الكاتب أو الأديب شخصية بارزة في المجتمع نتيجة لجهوده في خدمة المجتمع ودوره في تطوير الحياة.
- تتسم العلاقة بين الكاتب والمجتمع بالتبادلية، حيث لا يكتب الكاتب في الفراغ بل يوجه عمله إلى جمهور معين.
- يتصل الأدب بقوانين اجتماعية متعددة تؤثر على نشأته وتطوره.
- يعتبر أن للأدب وظيفة اجتماعية، إذ هو ليس نشاطا فرديًا خاصًا بالكاتب.
الاختلاف من حيث الانتقادات
تم توجيه انتقادات للمنهج الاجتماعي من عدة زوايا، أبرزها:
- غالبًا ما تكون المعرفة المستخلصة من التاريخ ناقصة، بسبب طبيعة المعرفة التاريخية والمصادر التي قد تتعرض للتزوير أو التلف.
- يصعب إجراء دراسات علمية للظواهر التاريخية، نظرًا لأن الأساليب التاريخية تستلزم تفسيرات متنوعة.
- تعد التجارب على البيانات التاريخية أمرًا صعبًا، مما يجعل النقد الداخلي والخارجي هو الوسيلة المتاحة.
- يتعذر التعميم والتنبؤ بسبب الأبعاد الزمانية والمكانية التي لا يمكن تكرارها.
- يصعب التحقق من صحة الفرضيات، نظرًا لتعقيد البيانات التاريخية وصعوبة تحديد العلاقات بينها.
أما الانتقادات الموجهة للمنهج الاجتماعي فتشمل:
- إصرار مؤيديه على اعتبار الأدب انعكاسًا لظروف الكاتب الاجتماعية، على الرغم من صحته، فإنه يحتاج إلى التعبير عن مسائل أخرى تتجاوز هموم المجتمع.
- سيطرة الاتجاهات المادية على هذا المنهج، مما يؤدي إلى إلغاء حرية الأديب في إنتاجه، وتجاهل تأثير العوامل الروحية على إبداعه.
- التعرض لتشويه النتائج، حيث تركز الدراسات على النصوص النثرية دون الإقرار بأهمية الواقع الحقيقي.
- يتم التركيز على المحتوى الأدبي على حساب الشكل، على الرغم من أن اللغة تعد أداة الأديب ووظيفته الأساسية في التواصل.
العلاقة بين المنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي
توجد علاقة وثيقة بين المنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي، حيث إن الأخير يمثل تطورًا للمناهج التاريخية ويعتمد على الأسس المستمدة منها. تكمن العلاقة بينهما في فكرة تاريخية الأدب ورابطه بتحولات المجتمع وتغيراته واختلاف الظروف البيئية.
كلا المنهجين التاريخي والاجتماعي يستكشفان البيئة المحيطة بالأعمال الأدبية، ويجب دراسة الجوانب الاجتماعية للأعمال الأدبية وفق تقسيمها العائد إلى العصور المختلفة. هذا يدل على وجود تداخل قوي بين المنهجين، حيث يُعتبر الأدب وثيقة اجتماعية تعكس مجتمعات معينة، وهو يمثل جوهرًا للحضارة وتاريخ البشرية برمته.
يؤكد مؤرخ الشعر الإنجليزي توماس وارتون أن الأدب يعكس خصائص العصر وأخلاقه ويعبر عن العادات والممارسات الاجتماعية، مما يوضح بأن التاريخ والمجتمع مترابطان، حيث يشكل كل منهما ضرورة وجود الآخر.