القرآن الكريم هو الكتاب المقدس لدى المسلمين، الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم باللغة العربية الفصيحة. يتضمن هذا الكتاب العديد من جوانب الإعجاز البياني والعلمي، ويعد معجزة دائمة من معجزات الله حتى يوم القيامة. لقد أظهر العرب، على مر العصور، عجزهم عن صياغة آية واحدة مشابهة له رغم بلاغتهم وفصاحتهم. أحد جوانب الإعجاز في القرآن يكمن في الاستخدام الدقيق للغة، حيث تم توظيف الكلمات وترتيب الآيات بطريقة تعبر عن المعاني بشكل مثالي. ولا تزال الأبحاث والدراسات تكشف عن مزيد من الأدلة على هذا الإعجاز.
الترادف في اللغة يعني التتابع، وفي الاصطلاح يعني وجود كلمتين مختلفتين في التركيب ولكن لهما ذات المعنى. وقد اختلف العلماء حول وجود الترادف في اللغة العربية والقرآن. بينما اعتبر بعضهم أن الترادف موجود، رأى آخرون أنه لا توجد كلمات تحمل معاني متطابقة تماماً. ووفقاً لهؤلاء العلماء، فإن هناك فروقات دقيقة بين هذه الكلمات قد نجهلها، وقد استخدم القرآن الكريم هذه الكلمات بشكل متناسق ومتوافق مع معانيها. على سبيل المثال، يُبرز القرآن الاختلاف بين كلمتي “المطر” و”الغيث”.
كثير من الناس يخلط بين كلمتي “الغيث” و”المطر”، حيث تعبّر الكلمتين عن نفس المعنى وهو الماء الذي ينزل من السحاب. إلا أن القرآن الكريم استخدم “الغيث” في سياقات معينة و”المطر” في أخرى. من خلال التأمل في الآيات التي وردت فيها كلمة “الغيث”، نجد أنها ترتبط بمواقف النعمة والرحمة، وغالباً ما تأتي مع الخير والسعة والفرج. وقد أشار الثعالبي إلى أن “الغيث” يشار إليه عندما يأتي المطر بعد فترات من الجدب أو عند الحاجة إليه. في سورة لقمان، قال الله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ)، وفي سورة الشورى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ). بينما غالباً ما يُستخدم لفظ “المطر” ومشتقاته عند الحديث عن العذاب والكوارث، كما في قوله تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) بسورة الأعراف، وأيضاً في سورة هود وسورة الشعراء. عند الحديث عن المؤمنين، يظهر لفظ “المطر” في سياقات الأذى والابتلاء كما جاء في سورة النساء: (إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرَضَى …).
أحدث التعليقات