الإصابة في تمييز الصحابة: دراسة في تقييم الصحابة وتحديد مكانتهم

تعريف بكتاب “الإصابة في تمييز الصحابة”

يعتبر كتاب “الإصابة في تمييز الصحابة” للكاتب ابن حجر العسقلاني أحد أبرز المراجع التي تناولت تراجم الصحابة. حيث جمع المؤلف في ثنايا كتابه أكثر من اثني عشر ألف ترجمة، التي تتضمن تراجم كتبها مؤلفون قبله، حيث تميز بتقديم المعلومات بشكل مختصر مع الإشارة إلى الأحداث التي شهدها الصحابي مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.

المصادر التي اعتمد عليها في تأليفه

اعتمد ابن حجر في تأليف كتابه على مجموعة متنوعة من المصادر، منها كتب الجرح والتعديل، تواريخ المدن، وكتب الحديث، التفسير، الأنساب، والرقائق، مما يدل على اتساع أفق معرفته. ويتكون الكتاب من أربعة مجلدات؛ تشمل المجلدات الثلاثة الأولى الأشخاص المعروفين بأسمائهم، بينما يحتوي المجلد الرابع على الشخصيات المعروفة بكناهم، بالإضافة إلى النساء، بدءًا من المتعارف على أسمائهن ثم الانتقال إلى من عُرفن بالكُنَى.

أسباب تأليف الكتاب ومدة التأليف

ترجع أسباب تأليف ابن حجر لكتابه “الإصابة في تمييز الصحابة” إلى اعتقاده بأن علم الحديث النبوي يُعتبر من الضروريات، إذ يمكن من خلاله تمييز الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- عن غيرهم. كما لم يكن هذا الكتاب الأول من نوعه، إذ سبقه العديد من المؤلفات التي رجع إليها ابن حجر وقدم إضافات جديدة في أسلوب تصنيفه. استغرق ابن حجر قرابة أربعين عامًا في كتابة مؤلفه، حيث قام بتدوينه على مهل مع تضمين التصحيحات والإضافات في الهوامش.

الأسماء المختلفة للكتاب

أطلق ابن حجر على كتابه هذا الاسم، وذُكر كذلك في مؤلفاته الأخرى، وهو العنوان المتداول بين العلماء. وقد أطلق عليه بعض العلماء أسماء أخرى مثل “الإصابة في معرفة الصحابة” و”الإصابة بمعرفة الصحابة”، ولكن الاسم “الإصابة في تمييز الصحابة” يتماشى مع هدف المؤلف الرئيسي من التأليف والتمييز بين الصحابة وغيرهم.

منهج تأليف كتاب “الإصابة في تمييز الصحابة”

استطاع ابن حجر العسقلاني من خلال كتابه تمييز الصحابة عن غيرهم، وجمع أكبر عدد ممكن منهم، ومع ذلك أشار إلى أن عدد من جمعهم لا يتجاوز العُشر، نظراً لكثرة الصحابة وتنوعهم. ويُذكر أن النبي الكريم عندما توفى كان حوالي مئة ألف قد رأوه أو سمعوا منه، وفقًا لما ذكره كعب بن مالك.

قام ابن حجر بترتيب تراجم الصحابة وفقًا لأحرف المعجم، وقسم كتابه إلى أربعة أقسام كما يلي:

  • القسم الأول: يتضمن الأشخاص الذين وردت صحبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- عبر الحكايات، سواء كانت صحيحة أو ضعيفة.
  • القسم الثاني: يتناول الأطفال الذين ولدوا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من آباء وأمهات من الصحابة، ثم توفي النبي قبل أن يبلغوا سن التمييز.
  • القسم الثالث: يستعرض أسماء من ذُكروا في كتب معرفة الصحابة من الصحابة المخضرمين في فترة الجاهلية والإسلام، دون النظر لما إذا كانوا قد أسلموا.
  • القسم الرابع: يحتوي على أسماء ذُكرت في الكتب السابقة بشكل خاطئ مع توضيح الخطأ، مع التركيز على الأخطاء الواضحة.

شرع ابن حجر قبل البدء في الأقسام بتعريف شامل للصحابي، موضحًا وضع كل صحابي من حيث العدالة، مع استيفاء معلومات كثيرة في هذا الخصوص. ثم أنهي الأقسام بتعريف بأسماء الصحابة الذين كانوا أكثرهم فقهًا.

عند تقديم ترجمة لشخص ما، كان يذكر اسمه ونسبه، مشيرًا إلى من شاركوا في الغزوات والفتوحات الإسلامية، بالإضافة إلى بعض الأحاديث إن توفرت، ويشير أيضًا إلى سنة وفاته. يتميز هذا الكتاب باحتوائه على معلومات وفوائد دقيقة لا توجد في كتب أخرى.

تسببت منهجية ابن حجر في تكرار بعض الأسماء، حيث قد يعيد ذكر ترجمة صحابي خلال الأقسام المختلفة لأسباب عديدة.

أهمية ومكانة كتاب “الإصابة في تمييز الصحابة”

يُعتبر كتاب “الإصابة في تمييز الصحابة” من أهم المصادر التي أُلّفت في تراجم الصحابة ويمتاز بالعديد من الخصائص التي جعلته مركز اهتمام للباحثين، ومنها:

  • المكانة العلمية الرفيعة التي اتّسم بها مؤلف الكتاب ابن حجر العسقلاني.
  • الأهمية الكبيرة لموضوع الكتاب لاحتوائه على تراجم الصحابة وتمييزهم عن غيرهم.
  • الامتداد الزمني للأخبار التي يقدمها الكتاب.
  • اطلاع المؤلف على العديد من المؤلفات السابقة، مما جعله يقدم نوع من التهذيب والتنقيح.
  • تقديم تمهيد شامل يتضمن فصولًا يقدم فيها تعريفات مهمة.
  • احتواء الكتاب على العديد من الأحاديث وبيان درجات صحتها.
  • نقل المواد العلمية القيمة التي توجد في كتب لم تعد متاحة للعديد.
  • إظهار الجوانب الحضارية والثقافية للإسلام ودور الصحابة في نشرها.

مؤلف كتاب “الإصابة في تمييز الصحابة”

اسمه ونشأته

هو أحمد بن علي بن محمد، المعروف بشهاب الدين أبو الفضل، ابن حجر الكناني العسقلاني. وُلِد في مصر، وأمضى حياته تحت رعاية والده الذي كان له دورٌ بارزٌ في تعليمه، حيث رافقه في رحلة الحج وزيارة بيت المقدس.

كان حريصًا على تحصيل العلم وحضور مجالس الحديث، إلا أنه فقد والدته في سن مبكرة وتوفي والده بعد ذلك، لكنه نال الرعاية والاهتمام من مُربيه، وهو أبو بكر الخرّوبي.

مكانته العلمية

أتمَّ ابن حجر حفظ القرآن الكريم في سنٍ مبكرة، ودرس مؤلفات مختصرة في العلوم. واهتم كثيرًا بالتحصيل العلمي، ما جعله يستعين بالكتب المستأجرة للحصول على المعرفة. ورغم الفترات التي شهد فيها فتورًا في دراسته، إلا أنه تمكن من استعادة همته والتركيز على علم الحديث.

أشهر مؤلفاته

ترك ابن حجر العديد من المؤلفات التي عكست براعته، ومن أبرز مؤلفاته:

  • فتح الباري في شرح صحيح البخاري.
  • تهذيب التهذيب وتقريبه.
  • بلوغ المرام من أدلة الأحكام.
  • إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة.
  • تغليق التعليق.
  • التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز.
  • لسان الميزان.
  • نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر.

وفاته

توفي ابن حجر العسقلاني بعد مرض استمر أكثر من شهر، وكان ذلك في ليلة السبت الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة عام 852 هـ. حضر جنازته جمعٌ غفير من العلماء والسلاطين والشعراء، حيث تجاوز عددهم خمسين ألفًا، وقد رثاه الشعراء بعد وفاته.

Published
Categorized as إسلاميات