تقوى الله تعالى
يسعى المسلم الحقيقي دومًا لتحقيق تقوى الله عزّ وجلّ، ويعمل على تعزيز هذه الفضيلة في نفسه، حيث تكون التقوى الدافع والمحرك لكل أفعاله وأقواله وتصرفاته. وقد وردت العديد من النصوص الشرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية، تدعو إلى تقوى الله، وتوضح سبل تحقيقها، وتذكر فضلها وثوابها وآثارها، والفوائد العظيمة التي ينالها المسلم إذا التزم بتقوى الله -تعالى- في حياته. وقد حظي مفهوم التقوى بعناية واهتمام بالغين من قبل علماء الإيمان والتزكية، الذين عرّفوا معناها وفسروا النصوص الدالة عليها. في هذه المقالة، سنستعرض مفهوم تقوى الله تعالى، وكيف تكون هذه التقوى داخل النفس، مع بيان فضلها وثمراتها.
مفهوم تقوى الله
وضّح العلماء مفهوم التقوى ومعناها في اللغة والشرع، حيث يمكن تعريفها على النحو التالي:
- التقوى في اللغة: تعني الخشية والخوف، وهي مشتقة من الفعل “اتقى”، حيث يحمل الإنسان على الامتثال لأوامر الله -تعالى- نتيجة خشيته منه.
- التقوى في الاصطلاح: هي الخوف من الله تعالى في السر والعلن، وقد وصفها الإمام ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- بأنها: “تقوى العبد لربه، أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك”. وهي تتمثل في طاعة الله واجتناب معاصيه. كما قال ابن القيم في حقيقة التقوى: “العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا، حيث يفعل ما أمره الله به إيمانًا بالآمر وتصديقًا بوعده، ويترك ما نهى الله عنه إيماناً بالناهي وخوفاً من وعيده”.
تقوى الله في النفس
التقوى وصية إلهية، وردت في القرآن الكريم نحو مئتين وثمانية وخمسين مرة، حيث أن الفلاح والنجاح مرتبطان بتحقيق تقوى الله تعالى. قال الله -تعالى- مُوصيًا عباده بالتقوى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، وأيضًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). يتمثل تحقيق التقوى في النفس -كما فُسرت- في طاعة الله -تعالى- بشكل دائم، وترك المحرمات بشكل دائم أيضًا. كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه- في تفسير الآية الكريمة: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ): “أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر”. وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: “تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يتحول إلى حرام”. فإن راعى المسلم هذه الأمور، فقد حقق تقوى الله -تعالى- في نفسه، وحصل على ثمارها وفضلها.
كيفية تحقيق تقوى الله تعالى
تتجلى تقوى الله -تعالى- في كافة الطاعات والعبادات التي يقوم بها المسلم، لذا فإن كل ركعة يصلّيها، وكل سورة يقرأها، وكل نفقة ينفقها تزيد من تقوى الله -تعالى- في قلبه وتقربه من رضاه. المسلم الذي يسعى لتحقيق تقوى الله، ويطمح لبلوغ مراتبها العالية، يكون حذرًا دائمًا من كل ما يغضب الله -تعالى-، ولا ينظر إلى صغر المعصية بل يدرك أنها بحق الله العظيم فيبتعد عنها. كما يجب أن يكون هذا المسلم خادمًا للعباد من حوله، يهتم بحاجاتهم ويساعدهم على تلبيةها، ويكف الأذى عنهم، ويقابلهم بالبشر والسعادة. الباحث عن التقوى في قلبه هو بلا شكّ يسعى لحب الله تعالى، ويمكن للعبد أن يصل إلى محبة الله من خلال إتيانه لكل ما يرضى الله، وأفضل العبادات التي تجعل العبد محبوبًا عند الله -تعالى- تشمل:
- قراءة القرآن الكريم بتأمل.
- التقرب إلى الله بالنوافل.
- المداومة على الذكر والشكر.
- التفكر في أسماء الله وصفاته.
- التذلل بين يدي الله.
- الاستمرار في قيام الليل.
- مجالسة أهل الذكر والخير.
- تقديم ما يحبه الله على ما يحبه العبد.
- إخلاص العمل لله وحده.
يدل فضل هذه الأعمال أيضًا على ما جاء في الحديث القدسي الذي ينص على أن الله -تعالى- يقول: (وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه).
فضل التقوى وثمراتها
لا شك أن من اجتهد لتحقيق تقوى الله -تعالى- في نفسه، سيشهد آثار ذلك في حياته يوميًا، ومن ثمار التقوى التي تعود بالخير على صاحبها ما يلي:
- نيل محبة الله، كما قال الله تعالى: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
- تحقيق رحمة الله -تعالى- في الدنيا والآخرة، حيث قال: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ).
- نيل معية الله تعالى ونصره، كما ورد في قوله: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).
- التمتع بالأمن من السوء والمكروه في الدنيا والآخرة، كما قال: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
- استنارة القلب وتفتح البصيرة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
- الفوز بالأجر العظيم، حيث قال الله: (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً).
- الغلبة على الشيطان ووساوسه، كما قال: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)، فالمتقون مرتبطون بالله تعالى، إذ يذكرهم إن أخطأوا ويعصمونهم من الوقوع في شراك الشيطان.
- البركة في الرزق وتوسيعه، ونيل الخيرات المختلفة، كما قال: (وَلَوْ أَنْ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
- تفريج الكروب وتيسير الأمور، حيث قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)، وأيضًا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً).
- حسن العاقبة في الدنيا والآخرة، حيث قال: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ).